يقول العديد من المتابعين والمهتمين بكرة القدم إنه حان الوقت الآن لمعالجة حالات المثلية الجنسية في الملاعب وفي غرف تغيير الملابس.غريام لوسو أكد أنه كان يخشى الذهاب إلى النادي مع زملاءه، ويصبح متوتراً بحلول وقت التدريب ويشعر بالمرض.
وذكر الظهير السابق لمنتخب انجلترا وتشلسي في سيرته الذاتية: "كنت مثل الطفل الذي يخاف من الذهاب إلى المدرسة بسبب مضايقة زملاءه له والاستهزاء به".
ولمدة 14 عاماً تحمل لوسو اهانات الجميع من زملاءه في الفريق أو لاعبين آخرين مثل روبي فاولر، مهاجم ليفربول السابق، الذي انحنى أمامه وأشار إلى ظهره خلال مباراة كان الآلاف من المشجعين يرددون كلاماً بذيئاً. والظهير الأيسر المهذب كان أول لاعب انجليزي يتحدث عن المثلية الجنسية، على رغم أنه لم يكن مثلياً.
معاناة لوسو كانت لمجرد أنه يولي اهتماماً خاصاً في مجال الفنون وقراءة الصحف، وليس جزءاً من ثقافة طبقة فتيان الحانات. وكانت صدمته مفجعة إلى درجة أنه فكر في الاعتزال.
ولكن الأسوأ بكثير من ذلك كانت تلك السنوات التي كان يعانيها جوستين فاشنيو، اللاعب الانكليزي المحترف الوحيد الذي كشف صراحة عن مثليته، من سوء المعاملة، الذي قادته إلى الانتحار في عام 1998.
وبعدما أصبح أول لاعب بريطاني أسود يتم شراؤه بمليون جنيه استرليني، بدأت الحياة المهنية لفاشنيو بالانحدار سريعاً تحت إدارة المدرب بريان كلاف في نوتنغهام فورست، وواجهه بعد سماعه شائعات أن اللاعب يزور حانات المثليين. وفي وقت لاحق كتب كلاف في سيرته الذاتية: "سألت فاشنيو أين تذهب إذا كنت ترغب برغيف الخبز؟ اعتقد إلى الخباز. أين تذهب إذا كنت تريد لحم الظأن؟ إلى القصاب... إذاً لماذا أنت ذاهب إلى حانات المثليين البذيئة؟".
"الحملة جوستين"، تحمل هذا الاسم تكريماً له، هي مجرد واحدة من مجموعات التنوع ومنظمات حقوق مثليي الجنس التي عبرت عن "قلقها البالغ" مؤخراً عندما ألغى اتحاد كرة القدم الانكليزي على عجل البدء في تصوير فيلم يهدف إلى مواجهة المثلية الجنسية. وكان قد أفيد في وقت سابق أن الاتحاد قد كافح للتعاقد مع لاعبين كبار لدعم الفيلم، أما الآن فإنه يود اجراء المزيد من المشاورات بشأن اللهجة القاسية لرجل يظهر في الفيديو وهو يستغل زميلاً له في العمل ويسخر منه بإهانات ضد مثليي الجنس قبل القيام بالشيء نفسه في مباراة لكرة القدم. وربما سوف لن يتم انتاجه أبداً في صيغته الحالية.
وبينما يتردد مديرو الكرة الانكليزية، فإن المثلية الجنسية مستمرة وصامدة في كرة القدم الحديثة. وقد تكون الملاعب مليئة بالمثليين أكثر من أي وقت مضى، ولكن مازالت تتردد أصداء الهتافات المضادة والهجومية لمثليي الجنس، وأيضاً على نطاق واسع في غرف تغيير الملابس.
وقائمة الأبطال الرياضيين مثليي الجنس الذين كشفوا عن أنفسهم في كل انحاء العالم قصيرة، وتشمل أسماء لاعب كرة السلة جون أمانشي ودونال أوكوساك المعروف في لعبة القذف الايرلندية والغطاس الفائز بالميدالية الأولمبية الذهبية ماثيو ميتشام. وفي بريطانيا على الأخص هناك نايجل أوينز الحكم الويلزي الدولي في الرغبي، وغاريث توماس الويلزي الذي شارك في أكثر مباريات منتخب بريطانيا في اللعبة ذاتها والكابتن السابق لها الذي اعترف بميوله الجنسية في كانون الثاني الماضي.
وهناك حوالي 4 آلاف لاعب كرة محترف في انكلترا وويلز، ولكن أحدهم لم يعترف بأنه مثلي الجنس. وفيما أكد بول اليوت، اللاعب السابق في تشلسي وسلتيك الذي يعمل حالياً مع حملة التنوع في كرة القدم "اطردوه خارجاً"، أن هناك ما لا يقل عن 12 لاعباً في الدوري الممتاز مثليين. وسبق للإعلامي المعروف ماكس كليفورد أن كشف، بعدما أعلن توماس عن ميوله الجنسية، أنه نصح اثنين من كبار النجوم في الدوري الممتاز بالحفاظ على سرية حياتهم الجنسية، لأن كرة القدم "الغارقة في المثلية الجنسية مازالت باقية في العصور المظلمة".
ومن جانبها، اتخذت رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين بمشورة أمانشي حول كيفية التعامل مع الاساءة لمثليي الجنس في اللعبة، إذ قال غوردون تايلور، الرئيس التنفيذي لها: "ليست هناك غاية في الدوران حول الموضوع، فكرة القدم هي عالم ذكوري، ولكن حتى ذلك الحين كانت القوات المسلحة كذلك، ولكنها تغيرت الآن".
فعلى من يقع اللوم لعمليات القمع والتحيز والكبت التي تخيم على كرة القدم؟
المشجعون المسيئون؟ الخوف من المثليين في الفرق؟ أو "القمصان المحشوة" في اتحاد الكرة الانكليزي والأندية الكبرى التي ليست لديها فكرة عن العالم الحديث؟
وسبق لبن جيفري سمرسكيل، الرئيس التنفيذي لـ"ستونوال" (منظمة تطالب المساواة لمثليي الجنس)، أن وصف كرة القدم بأنها "مؤسسة مثليي الجنس". وقال إن اتحاد الكرة يقف بشكل كبير خلف أماكن عمل أخرى في التصدي للمشكلة. وأضاف: "ان اتحاد الكرة يفكر على مستوى كبار المسؤولين، وحتى وقت قريب فإنه لم يعترف بأن هناك مشكلة خطيرة".
ووفقاً لمنظمة ستونوال، فإن معالجة حال مثليي الجنس في المهن المحافظة تقليدياً مثل الأعمال المصرفية والاستثمارية والقوات المسلحة أفضل بشكل ملحوظ من كرة القدم. وذكرت: "انه من المثير للسخرية أن العمل التي نقوم به مع القوات المسلحة هو أكثر تقدماً مما يحدث في كرة القدم، حيث يتم ارسال مثليي الجنس والسحاقيات علناً للعمل مع هذه القوات، ولكن لا يمكن ارسال لاعباً واحداً مثليّ إلى نهائيات كأس العالم هذا الصيف. إن القادة والجنرالات في القوات المسلحة يفهمون أن أداء الأشخاص يكون أفضل عندما يدركون أنه لا توجد مضايقات ضدهم في العمل. إنهم يشعرون براحة أكبر ويكونون أكثر انتاجية، وهذا سيكون جيداً بالنسبة إلى كرة القدم المحترفين في نهاية المطاف عندما يكون اللاعبين المثليين مكشوفين".
وليس مثل لوسو، تم ممازحة بات نيفين، الاسكتلندي الدولي السابق، من قبل زملاءه في غرفة تغيير الملابس لذوقه المقصور على أشياء معينة، عندما قال: "كنت مهتماُ بالمسرح والفنون وهكذا حصلت على: يبدو أنك مثليي الجنس، فضحكت وقلت أنا لست واحداً منهم، وأنا لا اهتم إذا كنتم تعتقدون ذلك".
خلال مشواره مع ايفرتون وتشلسي، كان نيفيل يشارك عن كثب في أول حملات لمكافحة العنصرية في كرة القدم. ولكن ربما من المدهش أنه قال إنه شعر بشكل مختلف قليلاً عن المثليي الجنس في كرة القدم، وأنه يؤمن بأن كرة القدم العالمية ستقبل بسرعة هؤلاء اللاعبين. وفي الحقيقة: "ليست هناك عقبات لإعلان عن أنفسهم، انه مجرد حدث متروك لهم للكشف عن حياتهم الجنسية".
ويعتقد نيفين بأن كرة القدم قد ظلمت في الواقع مثليي الجنس على رغم أن هناك بالفعل عدد قليل جداً من اللاعبين المثليين جنسياً. على رغم أنه أكد أنه لم يتعرف على أحد منهم أبداً. وعلى خلاف الرياضيين في الألعاب الرياضية الاخرى الذين يكشفون عن أنفسهم، فإن كرة القدم تتعرض للهجوم العنيف في بعض الأمور، مع أنها لا تستحق هذا الهجوم. فإذا كشف اللاعب عن ميوله الجنسية وتم طرده من لعبته المفضلة، فيجب أن ينطبق هذا على كرة القدم أيضاً.
ويعتقد سمرسكيل بأن هناك عدداً من لاعبي الكرة الكبار هم مثليي الجنس. وفي موقف مماثل لغاريث توماس، حيث كان ميوله معروفاً ومقبولاً من المقربين منه بعدما كشف سره أمام المدربين وزملاءه الكبار في منتخب ويلز قبل ثلاث سنوات، إلا أنه لم يكن مكاناً سهلاً للكشف عن مثليته.
وقال سمرسكيل: "لقد تحدثنا مع لاعبي الكرة المحترفين الذين لديهم ميولاً جنسية في غرف تغيير الملابس، وهذا لا يحدث فقط فَرقاً في ما إذا كشف عنه، بل كيف سيلعب أيضاً".
ويؤمن الإعلامي كليفورد بأنه من غير المحتمل أن يكشف نجوم الكرة عن ميولهم في المستقبل القريب. ولكن إذا فعلوا ذلك، فإنهم سيكونون من الراسخين ومحنكين مع حياة مهنية طويلة خلف ظهورهم حيث ما قد يخسرونه سيكون شيئاً قليلاً. أما سمرسكيل فأكد أنه سيتفاجأ إذا لم يرَ علناً لاعب كرة القدم مثلي الجنس في غضون عقد من الزمان. ولكنه لا يعتقد بأن لدى اللاعبين الكبار "التزام أخلاقي" للكشف عن مثليتهم، حتى لو كان هذا من شأنه أن يساعد بلا شك الآلاف من الشباب الآخرين – ولاعبي الكرة – الذين يتصارعون مع حياتهم الجنسية. إنه يفضل التأكيد على المزايا الايجابية بهدوء – الشخصية والمهنية على حد سواء – وهذا ما تم الإعلان عنه بصراحة على نطاق واسع من مثليي الجنس النجوم مثل توماس وبطلة التنس السابقة الاسطورة مارتينا نافراتيلوفا.
واعترف توماس، الذي كشف عن مثليته عند قرب نهاية حياته المهنية أنه "لم يكن أبداً إعلان الكشف عن ميولي الجنسية من دون ترسيخ نفسي أولاً وكسب احترام اللاعبين". ولكن بعد ذلك تحدث عن "الاستجابة المذهلة" التي تلقاها.
أما في رابطة كرة القدم للمحترفين، مخاوف تايلور هي المثال المأساوي لفاشنيو الذي مازال يلوح في الافق عند أعداد كبيرة من اللاعبين المحترفين. ولكن هناك الكثير من الحالات المشجعة عند أبطال رياضيين الذين يكشفون عن حياتهم الجنسية من المحن الكبيرة. فنجم الدوري الاسترالي للرغبي ايان روبرتس كان اللاعب الأول في القارة الذي كشف عن ميوله الجنسية في عام 1995، مؤكداً أنه "كان عملاً شجاعاً في رياضة مفتولة العضلات". وعندما اعتزل بعد ثلاث سنوات استدرك قائلاً: "كان رد الجمهور عندما كشفت عن ميولي هو تسليط الأضواء على ما قمت به من انجازات في رياضتي المفضلة فقط